الجمعة 23 جمادى الآخرة 1442 هـ

الموافق 5 فبراير 2021 م

 

الحمد لله الذي هدم بالموت مشيد الأعمار، وحكم بالفناء على أهل هذه الدار، وجعلهم أعراضاً لسهام الأقدار، وأخبر أنَّ الآخِرة هي دار القَرار، حكمة بالغة من حكيم ذي اقتدار. نحمده سبحانه ونشكره، وفضله على شاكره مدرار، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان.

أمّا بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشر المسلمين: ونحن نسير في دروب الحياة، ونتقلب على هذه الأرض، كم نحن بحاجة إلى وقفة روحانية وقفة نجدد فيها الإيمان في القلوب، ونزيل عنها غبار الغفلة والذنوب. نتحدث اليوم عن حقيقة عظيمة من حقائق الإيمان، أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم بكثرة ذكرها فقال آمراً وناصحاً: (أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ) يعني الموت، ومع هذا فالكثير منا يشمئزون عند ذكرها، ولا يحبون الحديث عنها، إنها حقيقة الموت، قال تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ، وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ، فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ، وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَـاعُ الْغُرُورِ) إنها حقيقة الموت وما بعد الموت، الموت الذي سيذوقه كل واحد منا، فقيراً كان أو غنياً، صحيحاً كان أو سقيماً، كبيراً كان أو صغيراً، رئيساً أو مرؤوساً، ملكاً أو مملوكاً، ولن ينجو من الموت أحد، ولو فر إلى مكان بعيد، أو برج عالٍ، أو وادٍ سحيق، قال تعالى: (أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِى بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ) الموت على وضوح شأنه، وظهور آثاره، سر من الأسرار التي حيرت الألباب، وأذهلت العقول، فهو يتعلق بالروح، قال تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ، قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) ترى الشاب الممتلئ صحة وعافية، والشجاع الذي يصرع الأبطال في لحظة يسيرة، قد استحال جثة هامدة، وصار جسماً لا حراك به، فذهب ذلك الشباب، وتلاشت تلك القوة، وتعطلت حواسه، وتعطل سمعه وبصره وشمه، وخرس لسانه، وقد يكون عالماً ضليعاً، أو أديباً بليغاً، أو طبيباً ماهراً، أو مخترعاً بارعاً، ولكن هيهات هيهات أن يمنع ذلك قبضَ الأرواح إذا انقضت الأعمار، قال تعالى: (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً  وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ) بينما يتمتع الإنسان بصحته، وينعم بعافيتة، ويرتع ويلعب ويتيه عجباً، ويشمخ أنفًاً، ويأمر وينهى، إذا بمرض الموت قد هجم عليه هجومَ الأسد على فريسته، فيضعف جسده، ويخفت صوته، وترتخي مفاصله، وتضمحل قواه، وتُطوى صحف أعماله بعد أن يرحل عن دنياه، فما أقرب الموت، كل يوم يدنو منا ونحن ندنو منه، وليس بيننا وبينه إلا أن يبلغ الكتاب أجله، فإذا نحن في عداد الموتى.

فما الأعمار في الحقيقة إلا أزهار تتفتح ثم تذبل، أو مصباح ينير ثم ينطفئ، أو شهاب يضيء ثم يصير رماداً، وليبحث فوق رمال هذه القبور المبعثرة وبين أحجارها المتهدمة المتساقطة، ليبحث أربابُ المطامع وطلابُ الدنيا ليعلموا أن طريق الشهوات والملذات المحرمة، وإن كانت مخضرة مزدانة بالأزهار، فإنها تؤدي في نهايتها إلى هذا المصير الذي صار إليه المقبورون، فطوبى لمن أتاه بريد الموت بالإشخاص قبل أن يفتح ناظريه على هؤلاء الأشخاص، ومن لم يردعه القرآن والموت فلو تناطحت الجبال بين يديه لم يرتدع… ما نراه في المقابر أعظم وأكبر معتبر، فحامل الجنازة اليوم محمول غداً، ومن يرجع من المقبرة إلى بيته سيُرجع عنه غداً، ويُترك وحيداً فريداً مرتهناً بعمله، فإن خيراً فخير وإن شراً فشر…

فيا أبناء العشرين، كم مات من أقرانكم وتخلفتم؟ يا أبناء الثلاثين، أدركتم الشباب فما تأسفتم؟ يا أبناء الأربعين، ذهب الصبا وأنتم على اللهو قد عكفتم! يا أبناء الخمسين، انتصفت المائة وما أنصفتم! يا أبناء الستين، هيا إلى الحساب فأنتم على الموت قد أشرفتم! ويا أبناء السبعين، ماذا قدمتم وماذا أخرتم؟ ويا أبناء الثمانين لا عذر لكم فقد أعذرتم! تذكروا أقرانكم الذين مضوا قبلكم، كيف ترملت نساؤهم، وتيتم أولادهم وأطفالهم، وقسمت أموالهم، وخلت منهم مساجدهم ومجالسهم وانقطعت آثارهم ونحن على طريقهم سائرون، ويوشك أن نصل، ووالله لن تخرج الأرواح من الدنيا حتى تسمع إحدى البشريين: إما بالنار أو بالجنة، فإن أردتم حسن الختام، فإياكم والتسويف وطول الأمل، والزموا الاستقامة وأحسنوا العمل.

أيها المؤمنون: اعلموا رحمكم الله، أن أهل العلم بعد الاستقراء الشرعي، قالوا: إن للنفس أربع دور كل دار أعظم من التي قبلها..

الأولى: (في بطن الأم) حيث يتخلق الجنين فيه وتنفخ فيه الروح.. الثانية: (دار الدنيا) وفيها يكتسب العبد الحسنات والسيئات… الثالثة: (دار البرزخ) وهي أوسع ونسبتها إليه كنسبة هذه الدار إلى الأولى… الرابعة: (دار القرار) وهي الجنة أو النار فلا دار بعدها فتبارك الله أحسن الخالقين… وكل دار لها ما يخصها من الأحكام، والقبر عباد الله أول منازل الآخرة، والإيمان بالبرزخ وبحياة القبر ونعيمه وعذابه يدخل في الإيمان باليوم الآخر، وهو من الإيمان بالغيب، والواجب على كل مسلم ومسلمة أن يؤمنا بحياة القبور لأن النصوص الشرعية الصحيحة قد تواترت بذلك كما سنرى إن شاء الله تعالى..

وفي القبر عباد الله يتبين للعبد مصيره ويَجد حصاد أعماله لا يرى فيه صاحبه سوى الظُّلْمة ولا يجد فيه غير الوحشة، فلا الوصف يمكنه الإيفاء به ولا الحروف تستطيع الوقوف على حقيقته، كان عثمانُ بن عفان رضي الله عنه إذا وقَف على القبرِ بكى حتى تُبَلَّ لحيتُه، فقيل له تذكُرُ الجنةَ والنارَ فلا تبكي وتبكي من هذا؟  فقال إن النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: إن القبرَ أول منازلَ الآخرةِ، فإن نجا منه، فما بعدَه أيسَرُ منه، وإن لم يَنجُ منه، فما بعدَه أشدُّ منه، وقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ما رأيتُ مَنظراً قَطُّ إلا والقبرُ أفظَعُ منه) وفي القبر عباد الله إما النعيم المقيم، وإما العذاب الأليم، فمن بناه في الدنيا بصالح الأعمال طاب له فيه المقام، ومن أهمله وتناساه ذاق فيه أشد العذاب، (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) وقد تظافرت الأدلة من كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم في الدلالة على ثبوت عذاب القبر، وتنوعت في أساليب تقريره، وقد أجمعَ السلف الصالح على أن عذابَ القبرِ ونعيمَهُ حقٌّ، قبر الميت أم لم يقبر، لأن القبر في حقيقته هو كل ما يحوي جثة الميت بعد موته،سواء كان في البر أم في البحر أم في بطون السباع. وأكَّد العلماءُ على مرِّ العُصور إثبات عذاب القبر، ووجوب الإيمان به، والرَّدِّ على مَن أنكره من الملاحدة والفلاسفة والزنادقة والمتشككين فيه، والرد على بعض الفرق الضالة المنحرفة وبيَّنوا أن ذلك يتضمَّن تكذيب ما تواترت النصوص الشرعية على إثباته، وما أجمع المسلمون على إقراره والإيمان به. فمن الأدلة على ذلك قوله تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) فهذا تهديد من الله عز وجل بعذاب القبر وبحياة البرزخ. كما قال جل وعلا: (وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ) أي: وأمامه عذاب غليظ. ويقول تعالى: (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) والمقصود بالعذاب الأدنى: عذاب القبر، كما قَالَ أهل العلم، ويقول تعالى: (وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ) أي: دون عذاب الآخرة، وكثير من الظالمين يموتون في الدنيا ولا يُعذّبون، وهذه الآية تشير إلى أنهم لا بد أن يعذّبوا عذاباً دون عذاب الآخرة، فلا بد أن هذا العذاب في القبور. ويقول الله عز وجل: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّاً وَعَشِيًّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ، أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) ففرعون وأهله يُعذّبون في النار، وأشارت الآية إلى أنهم يعذبون في الغدو والعشي -أي: طرفي النهار- إشارة إلى أنهم يعذّبون طوال النهار، (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ، أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) وكما دلّت الآيات القرآنية الكريمة على حياة القبر وعلى عذابه، دلّت كذلك السنة النبوية المطهّرة، بل تواترت الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في إثبات حياة القبر. ومن ذلك أحاديث تبيّن أنه لا بد أن يُفتن الناس في قبورهم، ولا بد أن يسألوا في قبورهم، وأن القبر روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار، وأحاديث يأمر فيها النبي صلى الله عليه وسلم بالتعوذ من عذاب القبر، وأحاديث يبين النبي صلى الله عليه وسلم فيها أنه سمع بعض المعذّبين يُعذّبون في قبورهم، وأحاديث تبيّن صوراً من صور هذا العذاب وأسبابه… وهَذا العَذابُ عباد الله يَكُونُ بِالرُّوحِ والجَسَدِ لَكِنَّ اللهَ يَحْجُبُهُ عَنْ أَبْصارِ الناسِ لِيَكُونَ إِيمانُ العَبْدِ إِيماناً بِالغَيْبِ فَيَعْظُمَ ثَوابُه. فقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتاني القبر،(منكراً ونكير) وهُما الملَكانِ اللَّذانِ يمتحنانِ العبدَ بالسؤالِ عن ربِّه ونبيِّه ودِينِه، وسمِّيا بذلك؛ لأنَّهما فتنةٌ عظيمةٌ يُختبَرُ بها إيمانُ العبدِ ويقينُه، فمَن وُفِّقَ في هذا الاختبارِ فازَ، ومَن فشِل هلَك، فقد سئل الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَتُرَدُّ عَلَيْنا عُقُولُنا يا رَسُولَ اللهِ؟ والمقصودُ: هل تعودُ لنا أرواحُنا ونحيا بعُقولِنا؛ لِنَرُدَّ عليهم أسئلتِهم؟ فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: (نَعَمْ كهيئتِكم اليومَ)، أي: تكونون بمِثلِ هيئتِكم البشريَّةِ.

أيها المسلمون: ولتقريب صورة عذاب القبر إلى الأذهان، ولله المثل الأعلى، انظروا رحمكم الله وتدبروا في شخصين متجاورين في المنام في مكان واحد، هذا على فراشه، وذاك على فراشه، أحدهما يرى في نومه أنه في نعيم، بل وقد يستيقظ وأثر النعيم والسرور والانشراح على وجهه، ويقص عليك ما كان فيه من النعيم، والشخص الآخر إلى جواره على فراشه، قد يرى أنه في عذاب وشقاء  ويستيقظ وعليه أثر الضيق والحزن والعذاب، ويقص عليك ما رآه من هموم وكوابيس، هل تدبرتم عباد الله في هذا الكلام؟ شخصان في مكان واحد، هذه روحه كانت في النعيم والسرور، وذاك روحه كانت في العذاب والهموم، مع أن أحدهما لا يعلم عن الآخر شيئاً. هذا في أمر الدنيا فما بالكم بأمر القبر والبرزخ الذي لا يعلمه إلا اللـه؟!

نسأل الله جل وعلا أن يجعل قبورنا روضة من رياض الجنة، وألا يجعلَها حفرة من حفر النار، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي خلق الموت والحياة، وجعل الظلمات والنور، وجعل لكل شيء نهاية، نحمده سبحانه ونشكره، ونثني عليه الخير كله، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

أما بعد فيا أيها المسلمون: كلنا زُرنا المقابر، وشيَّعنا آباءً وأمهات، أحباباً وأصحاباً وأصدقاء، هل أخذ الغني من ماله شيئاً في قبره؟ هل أدخل أحدٌ معه سراجاً أو نوراً؟ لا والله لا نور ولا سراج إلا نور العمل الصالح.

عباد الله: لو أُذن الله لأهل المقابر أن يخرجوا من قبورهم، ليقولوا: لا إله إلا الله، لكانت هذه الكلمة خيراً من الدنيا وما فيها.

يا أهل الدنيا، أنتم في عمل ولا حساب، أما أهل المقابر، فهم في حساب ولا عمل.

فالميت ينطلق معه إلى قبره ثلاثة: أهله وماله وعمله، فيرجع اثنان، ويبقى واحد، يرجع أهله وماله ويبقى عمله، وصدق الله القائل: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى )

الله المستعان، البيت الذي ظل أحدنا يبنيه سنين طويلة، تركه ليَسكنه غيره، المال الذي جمعه في سنين عديدة قُسِّم بين الورثة…

ما أصعب بناء بيت الدنيا، وما أسهل بناء بيت الآخرة بالعمل الصالح، وطاعة الرحمن، وشتان بين بيت اللبِن والأحجار، وبيت الذهب والفضة، شتان بين بيت بناه البشر، وبيت بناه ربُّ البشر.. فيا ساكن القبر غداً! ما الذي غرَّك من الدنيا؟ أين دارُك الفيحاءُ وقصرك الجميل، ونهرك المطرد؟ وأين ثمارك اليانعة؟ وأين رقاقُ ثيابك؟ وأين طيبك وعطرك وبخورك؟ وأين كِسوتك ولباسك لصيفك وشتائك؟… تصوَّر نفسك يا عبد الله وقد جاءك الموت، وأصبحت محمولًا على الأكتاف، فيا ليت شعري، ما تقول جنازتك؟ هل ستقول: قدِّموني قدموني، أم ستقول: يا ويلها أين تذهبون بها؟ ثم تصور يا عبد الله وأنت تدخل المقبرة، لا زائراً ولا حاملًا بل محمولًا ميتاً، فتخيَّل أحب الناس إليك، وأقرب الناس إليك، وهم يُنزلونك إلى قبرك، ويضعون اللبن ليغلقوا قبرك، فغاب الضوء عنك، ثم بدؤوا يَحثون على قبرك التراب، ويقول أحدهم: استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت، فإنه الآن يُسأل، ثم ذهبوا وتركوك وحيداً فريداً في ذلك الظلام، من فوقك تراب، ومن تحتك تراب، وعن يمينك تراب، وعن شمالك تراب، ثم تعاد روحك إلى جسدك، ويأتيك منكر ونكير، فيُجلسانك ويسألانك: مَن ربك؟ ما دينك؟ مَن نبيُّك؟ فإن كنت من الصالحين الصادقين التائبين، فإن الله سيثبتك، فهو القائل: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ)  فتقول ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد، فينادي منادٍ من السماء: (أن صدق عبدي فافرشوا له من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له نافذة إلى الجنة)؛ ثم يُفسح لك في قبرك مد البصر، ثم يأتيك رجل حسن الوجه، حسن الثياب طيب الرائحة، وهو عملك الصالح وهو أنيسك في قبرك.

أمَّا إن كان العبد والعياذ بالله كافراً أو فاسقاً عاصياً، مُضيِّعًاً لدينه، تاركاً للصلاة آكلًا للحرام، مرابياً مرتشياً سارقاً مختلساً، عاقاً لوالديه مغتاباً نماماً مبتغياً للبرآء العنت، فاعلًا للفواحش والمنكرات والمحرمات، ومات على ذلك، فإنه سيقول: هاه هاه لا أدري، فينادي منادٍ من السماء أن كذب عبدي، فافرشوا له من النار، وألبسوه من النار، وافتحوا له نافذة إلى النار، ويُضيَّق عليه في قبره حتى تَختلف أضلاعه، ثم يأتي إليه رجل قبيحُ الوجه، قبيح الثياب، قبيح الرائحة، وهو عمله السيئ وهو رفيقُه في قبره وآخرته.

اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.. اللهم واجعل خروجنا من الدنيا على شهادة التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله.

اللَّهُمَّ إنِّا نعُوذُ بكَ مِن عَذَابِ القَبْرِ، ومِنْ عَذَابِ النَّارِ، ومِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا والمَمَاتِ، ومِنْ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ. اللهم اجعل عملنا صالحاً مؤنساً لنا في الخلوة أذا أوحشنا المكان، وفارقنا الأهل والجيران، ونسألك أن تجعل خير أعمارنا أواخرها وخير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم لقائك، واجعل القبور بعد فراق الدنيا خير منازلنا، وارحم في مواقف العرض عليك ذل مقامنا، برحمتك يا أرحم الراحمين…اللهم أعز الإسلام وانصر والمسلمين اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين… اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين.اللهم وفق ولاة أمورنا وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين.

اللهم وفِّق المسئولين والعاملينَ والمتطوعين في فريق البحرين الوطني وأحفظنا وبلادنا وبلاد المسلمين والعالم أجمعين من الأوبئة وسيئ الأسقام والأمراض، ومّن بالشفاء والعافية على المصابين بهذا الوباء، وعجل بانتهائه في القريب العاجل برحمتك وفضلك وجودك يا أرحم الراحمين.

اللهم إن هذا الفيروس جاء إلينا بقدر منك، فاصرفه عنا برحمة منك يا رب العالمين.

اللهم إن كان هذا الوباء والبلاء بذنب أرتكبناه، أو إثم اقترفناه، أو وزر جنيناه، أو ظلم ظلمناه، أو فرض تركناه، او نفل ضيعناه، أو عصيان فعلناه، أو نهي أتيناه، أو بصر أطلقناه، فإنا تائبون إليك، فتب علينا يا رب ولا تطل علينا مداه يارب العالمين.

اللهم اسقنا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا وأغث قلوبنا بالإيمان والتقوى، وبلادنا بالأمطار والخيرات يارب العالمين.

اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان ناصراً ومؤيداً، اللهم أحفظ المسجد الأقصى مسرى نبيك،  وحصنه بتحصينك وأكلأه برعايتك، واجعله في حرزك وأمانك وضمانك يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، ونفس كروبنا وعاف مبتلانا واشف مرضانا، واشف مرضانا وارحم والدينا، وارحم موتانا وارحم موتانا برحمتك يا أرحم الراحمين.

الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ  وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

 

      خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين